نظرية المقارنة الاجتماعية Social Comparison Theory:
ترجع نشأة نظرية المقارنة الاجتماعية لعام 1954م لليون فيستنجر وتقوم على ركيزة أساسية وهي الميكانيزمات والتي هي في الأساس عبارة عن عمليات نفسية تحفيزية مؤثرة على سلوك وخبرات الأفراد أثناء عملية المقارنة التي تتم بين الفرد نفسه والأخرين. النظرية تفترض فرض أساسي وهو أن الأفراد ذو الوعي الذاتي الخاص يميلون باستمرار لتفحص ذاتهم مما قد يؤدي إلى القلق المفرط حول صورتهم الاجتماعية. وترتبط المقارنة الاجتماعية بالأشخاص الذين يقومون بعملية تعزيز قيمتهم الذاتية ومكانتهم الاجتماعية بواسطة المقارنة مع الآخرين الأقل تَوفِيقًا مِنهم.
وتبحث هذه النظرية عن كيفية تأثير المقارنة الاجتماعية على الذات فهناك ميل من جانب الأفراد لإدراك أنفسهم بشكل أقل حساسية وأقل قابلية للتأثر بالرسائل السلبية أو غير المرغوبة اجتماعيًا من الآخرين في حين يتقبل الأفراد الرسائل الإيجابية والمرغوبة اجتماعيًا من الآخرين(آية، 2019، ص87-88) نقلا عن (Corcoran, K., Crusius, J.,&Mussweiler,.T,2011).
ووفقا لهذه النظرية أن الناس يميلون لمقارنة أنفسهم بالآخرين من أجل تقييم قدراتهم وقيمهم الذاتية، فعندما يدركون أن الآخرين أكثر منهم نجاحا أو كفاءة، فقد يواجهون مشاعر سلبية كالحسد أو الغيرة (Festinger, 1954).
وهم يميلون لذلك كونهم في بحث دائم لإيجاد قيمة إن صح القول تُقدِّر الى حدٍ ما قدراتهم، معارفهم، توجهاتهم، وغيرها من السمات من خلال مقارنة أنفسهم بالآخرين.
ليتم اثبات الفرض الذي جاءت به هذه النظرية من خلال العديد من الأبحاث العلمية نذكر منها الدراسة التي أجراها (Mclaughlin, Coffey, & Lee, 2015) التي وجدت أن الممرضات الذين شاركوا في المقارنة الاجتماعية واعتبروا زملائهم أكثر منهم كفاءةً كانوا أكثر عرضة لتجربة الغيرة المهنية. هذه النتيجة التي تتفق مع ما توصلت اليه دراسة (Kim, & Colleagues, 2019) أن الموظفين الذين شاركوا في مقارنة اجتماعية متكررة كانوا أكثر عرضة لتجربة الغيرة المهنية.
نظرية صيانة التقييم الذاتي
تفترض هذه النظرية أن التقييم الذاتي للأفراد يتأثر بآداء الأخرين ذوي الصلة بمفهومهم الذاتي. فعندما يدرك الأفراد أن شخصا ما يعرفونه مثل زميل لهم في نفس الدور يؤدي آداءا أفضل منهم، فقد يواجهون مشاعر سلبية مثل الغيرة لأنها قد تهدد تقييمهم الذاتي (Tesser, 1988).
هذه النظرية التي يوجد العديد من الأبحاث التي تلتها تثبت إفتراضها وتوضح درها الهام في تفسير ودراسة الغيرة المهنية في منظمات الأعمال نجد من بينها الدراسة التي أجراها (Cheng & Colleagues, 2021) التي وجدت أن الموظفين عندما يرون أن زملاءهم أكثر كفاءة منهم في مهمة معينة يشكل ذلك أثرا قويا في تشكل الغيرة المهنية لديهم ويكون أثره أقوى عندما تكون المهمة وثيقة الصلة بمفهوم الموظفين الذاتي.
وهو ما يدعمه ما توصلت اليه دراسة (Dieffendorff & Colleagues, 2019) أن الموظفين الذين يتعاونون بقوة أكبر من مجموعة عملهم كانوا أكثر عرضة لتجربة الغيرة المهنية استجابة لنجاح زميلهم، كما أن هذا التأثير تم تعديله من خلال صلة المهمة بمفهوم الموظفين الذاتي بما يتوافق مع ما تفترضه نظرية SEM الذي ينص على أهمية التقييم الذاتي في فهم تجربة الغيرة المهنية، وبحديثنا عن التقييم الذاتي للأفراد في ضوء هذه النظرية لابد من التطرق للحديث عن مفهوم الذات الذي إن توفر بشكل جيد وكان إدراكه صائبا كان التقييم الذاتي للأفراد أكثر ايجابية وهو ما ركزت عليه النظرية الإجتماعية.
كما يعتبر التقييم الذاتي ركيزة أساسية من أجل تحسين الأداء وذلك عن طريق قياس أداء الفرد والمؤسسة. وتؤكد إدارة الجودة الشاملة على التقييم الذاتي كطريق يؤدي إلى التحسين المستمر. ويفسر الباحثون أهمية التقييم الذاتي في المؤسسات التي تتبع نظام إدارة الجودة الشاملة بالقول بأن الفارق الأساسي بين الأفراد الناجحين والأفراد غير الناجحين. أن الأفراد الناجحين غالباً ما يقومون بتقييم سلوكهم مع المحاولة الدائمة لتحسين مـا يقومون به(قاسم، 2016، ص163)..
نموذج الأنفس الثلاث Three-selves model
يقترح نموذج الأنفس الثلاث أن المقارنة الاجتماعية هي مزيج من نظريتين مختلفتين، تم تطوير إحدى النظريات حول الدوافع، والعوامل التي تؤثر على نوع معلومات المقارنة الاجتماعية التي يبحث عنها الناس من بيئتهم، والثانية تتعلق بالتقييم الذاتي، والعوامل التي تؤثر على آثار المقارنات الاجتماعية على أحكام الذات بينما كان هناك الكثير من البحوث في مجال دوافع المقارنة، لم يكن هناك سوى القليل في مجال التقييم المقارن، موضحًا أن الذات تصور كمفاهيم مترابطة يمكن الوصول إليها اعتمادًا على سياق الحكم الحال وأخذت من النظرية المعرفية الاجتماعية، حيث يركز هذا الأنموذج على تأثير عملية الاستيعاب ويميز ثلاث فئات أساسية من الافكار المتعلقة بمفهوم الذات العاملة والمتمثلة في: (النفس الفردية، والأنفس المحتملة، والأنفس الجماعية).
نظرية السلوك المخـطط Theory of Planned Behaviour
تبنى نظرية السلوك المخطط على نظرية الفعل المبرر Theory of Reasoned Action، التي تطورت من خلال “أجـذين” Ajzen” و”فيشبين” Fishbein (1970، 1980). حيث افترضت نظرية الفعل المبرر أن السلوك يمكن التنبؤ به من خلال مقصد الشخص a person’s intention الانخراط في سلوك معين، ويتشكل هذا المقصد من خلال اتجاه الفرد نحو السلوك وإدراكه للمعيار الاجتماعي وتعتمد نظرية السلوك المخطط على ما سبق، بالإضافة إلى فكرة إدراك التحكم السلوكي داخل المعادلة، وقياس مدى اعتقاد الفرد بضرورة التحكم في سلوك محدد.
ويرى الباحثون أن هذه العناصر الأساسية تعمل معًا في تحديد مدى احتمال انخراط الأفراد في سلوك معين. والقاسم المشترك بين هذه العناصر هي كلمة “مدركة” Perceived، وهذا يؤكد أن إدراكنا يؤدي دورًا محوريا في هذه العملية، وبالتالي لا يعتمد سلوكنا على أساس موضوعي، ولكن على أساس إدراكي (هناء، 2012، ص66).
نظرية الإنصاف
تقترح هذه النظرية أن الموظفون يقارنون النتائج التي يتلقونها من عملهم كالراتب، الترقية، الإعتراف والتقدير بالنتائج التي يتلقاها الآخرين. فعندما يدرك الموظفون عدم المساواة في هذه النتائج كأن يرون بأنهم يتلقون أقل من زملائهم على الرغم من الآداء المماثل فقد يواجهون مشاعر سلبية مثل الغيرة (Adams, 1965). هذه النظرية التي أظهرت الأبحاث التي تلتها أنها إطار جيد لفهم الغيرة المهنية في منظمات الأعمال.
كما نجد من الأبحاث الدراسة التي أجراها (Ferris & Colleagues, 2002) التي وجدت أن تصورات عدم الإنصاف في قرارات الراتب والترقية كانت مرتبطة بمستويات أعلى من الغيرة المهنية بين الموظفين في الصين. كما وجدت أن الموظفين الذين يعتبرون أنفسهم أقل قوة أو أقل قيمة في المنظمة كانوا أكثر عرضة لتجربة الغيرة المهنية.
لنختتم تطرقنا بنظرية الهوية الإجتماعية التي لها ما لها مما قدمته من إضافة في ذات السياق لتفسير هذه الظاهرة السلوكية البالغة الاهمية من عدة زوايا في مختلف المواقف
نظريــــة الهويـــــة الاجتماعيـــــة
مفهوم الهوية مفهوم متعدد الأبعاد ومتراكب ومتحرك ويمكن تلمسه في مستويات مختلفة من أشكال الوجود الاجتماعي للبشر. فهناك هوية أساسية (قد يكون عند بعض الافراد متمثلاً بانتمائها الديني أو العرقي وهناك إضافة إليه هويات فرعية متمثلة في مجموعة انتماءات فرعية وثانوية، كالانتماء القومي أو الانتماء القبلي أو الانتماء الطائفي أو الأسري أو المناطقي (نسبة إلى منطقة ما، وقد تتغير الأولويات فتصبح الانتماءات الفرعية مركزية وأساسية(محمد عادل، 2011، ص19).
ترى هذه النظرية بأن مفهوم الذات للأفراد يعتمد جزئيا على عضويتهم في المجموعات الاجتماعية لأنه ووفقا لما تفترضه هذه النظرية أن الأفراد عندما يدركون أن أعضاء مجموعتهم أقل نجاحا أو كفاءة من أعضاء المجموعات الأخرى فقد يواجهون مشاعر سلبية (Tjafel & Turner, 1986)
بقلم الدكتور: منـــذر خرفــــان من مؤلفه: الغيرة المهنية وبيئة العمل المعنوية