تقديــــــــــم

أخضع المشرع الجزائري حق الإضراب لمجموعة من الإجراءات والشروط القانونية التي يجب على العمال الإلتزام بها طبقاً لأحكام القانون 02/90 المؤرخ في 06 فيفري 1990 المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب.

حيث فرض المشرع بداية إستنفاذ طرق التسوية الودية للنزاع قبل التوقف عن العمل، وبعد إستكمال هذه الطرق ألزم المشرع على العمال أو المنظمات النقابية الأكثر تمثيلاً، إرسال للهيئة المستخدمة إشعار مسبق بالإضراب مع تجنب عرقلة حرية العمل في حال مباشرة الإضراب وغيرها من الشروط، وبتوافر أو إستفاء هذه الشروط تتحدد شرعية الإضراب من عدمه.

و يعد الإضراب من الحقوق التي تناولتها المواثيق الدولية، ففي العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، نص صراحة على كفالة حق العمال في الإضراب شريطة مراعاة القوانين الداخلية، حيث قضت المادة (08) فقرة 01 منه على أن تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد… – حق الإضراب.

وهل هناك شروط؟

نعم وتكمن هذه الشروط في ممارسته وفقاً لقوانين البلد المعني..)، وألزمت الإتفاقية 105 المتعلقة بإلغاء العمل الجبري لعام 1989 الصادرة عن منظمة العمل الدولية الدول الأعضاء في المنظمة والتي صادقت على الإتفاقية أن تتعهد بحظر أي شكل من أشكال العمل الجبري أو العمل القسري وبعدم اللجوء إليه كعقاب على المشاركة في الإضرابات. كما أشارت منظمة العمل العربية لحق الإضراب بشكل صريح في المادة (12) من الإتفاقية العربية رقم (08) لعام 1977 بشأن الحريات والحقوق النقابية، بقولها : ( للعمال حق الإضراب للدفاع عن مصالحهم الإقتصادية والإجتماعية بعد إستنفاذ طرق التفاوض القانونية لتحقيق هذه المصالح.

وبالنسبة لتكريس هذا الحق في الجزائر صدر القانون 02/90 المؤرخ في 06 فيفري 1990، المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل وتسويتها، وممارسة حق الإضراب، (قانون) القانون 02/90 المؤرخ في 06 فيفري 1990 المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل وتسويتها، وممارسة حق الإضراب، الجريدة الرسمية عدد 06 المعدل والمتمم بموجب القانون رقم 27/91 المؤرخ في 21 ديسمبر سنة 1991،الجريدة الرسمية عدد(68) 1990 .

هذا القانون الذي كان أكثر تفصيلاً وتنظيماً لممارسة هذا الحق، وخصص المشرع لتنظيم هذا الحق أكثر من 24 مادة مبيناً فيها كيفية ممارسته وحمايته،  ونص صراحة في مادته (24) على أنه : ( إذا أستمر الخلاف بعد إستنفاذ إجراءات المصالحة والوساطة المنصوص عليهـا أعلاه،…يمارس حق العمال في اللجوء إلى الإضراب وفقاً للشروط والكيفيات المحددة في أحكام هذا القانون) ، وتلته قوانين أخرى نصت على حق العمال في ممارسة الإضراب، على غرار القانون 11/90 المنظم لعلاقة العمل في مادته (05) ، والقانون 03/06 المنظم لقطاع الوظيفة العمومية

وكرّس التعديل الدستوري الأخير في المادة (71) من الدستور لعام 2020 حق الإضراب (رئاسي، 2020) ومنح المشرع الدستوري للسلطات العمومية إمكانية فرض قيود أو حدود على هذا الحق في ميادين الدفاع والأمن، أو في جميع الخدمات أو الأعمال العمومية ذات المنفعة الحيوية للمجتمع.

وهل الاضراب من الوسائل السلمية ام عكس ذلك في المطالبة بالحقوق؟

بإعتبار الإضراب من الوسائل غير السلمية التي تباشرها المنظمات النقابية أو العمال عندما تكون مصالحهم المهنية والإجتماعية مهددة، خاصة عندما تفشل الطرق العلاجية الودية لأسباب مختلفة ومتعددة، كتصلب المواقف، أو عدم الإقتناع بالحلول المقترحة، أو بعدم توفر الضمانات الكافية لتنفيذها، خصه المشرع الجزائري بمجموعة من الإجراءات القانونية منصوص عليها في القانون 02/90 .

لذلك تكمن أهمية دراسة هذا الموضوع في أن الواقع العملي في الجزائر كان في وقت ليس ببعيد يشهد نشوب العديد من الإضرابات في مختلف القطاعات خصوصاً في قطاع التربية الوطنية، مما حتّم على المؤسسات المستخدمة اللجوء للقضاء من أجل توقيف الإضراب او الإلتماس من القضاة الحكم بعدم شرعيته، وهذا يظهر في أغلب القضايا التي طرحت أمام القضاء.

أولا : استنفاذ طرق التسوية الودية للنزاع:

يُعرف الإضراب بأنه إمتناع العمال إمتناعاً جماعياً عن تنفيذ العمل الملزمين به بموجب عقود العمل التي تربطهم بأصحاب العمل، وذلك بهدف الحصول على بعض المطالب بشأن العمل، ويتخذ الإضراب عن العمل في هذا الشأن عـدة أشكال وأساليب فمنها الإضراب التقليدي، وهو الأكثر شيوعاً، ويعني التوقف الجماعي عن العمل، بعد القيام بالإجراءات التحضيرية الواجبة من طرف العمال.

       ومن بين أنواع الإضراب أيضاً “الإضراب بالتناوب”، حيث تضرب فئة من العمال بعد الأخرى حسب تخصصها في العمل، وقد فرض المشرع مجموعة من المراحل والإجراءات القانونية التي يجب على العمال أو المنظمات النقابية الأكثر تمثيلاً إتباعها قبل اللجوء إلى ممارسة الإضراب بصفة فعلية، أي ما يعرف بإستنفاذ طرق التسوية الودية للنزاع، والتي يترتب على تخلفها الحكم بعدم شرعية الإضراب.

التسوية الودية في إطار القطاع الخاص:

        ننبه في البداية أن كل من البرتغال وفرنسا واسبانيا تكرس حق الإضراب في الوظيف العمومي، بينما لا تفرق إيطاليا بين الإضرابات في القطاع العمومي والإضرابات التي تتم في القطاعات الأخرى من الإقتصاد، بحيث ينبغي على مستخدمي الوظيف العمومي إتباع الإجراءات التي ينص عليها التشريع العام للإضراب عن العمل، لكن الجزائر تبنت الإتجاه الفرنسي في هذا الإطار. الذي ميز بين أساليب التسوية الودية للنزاع بين القطاع العمومي الإقتصادي (القطاع الخاص وقطاع المؤسسات الإدارية.

المصالحة:

تعد المصالحة إجراءً إجبارياً وسابقاً على أي شروع في الإضراب، وتتخذ المصالحة المعمول بها بشأن نزاع جماعي صورتين مصالحة اتفاقية ومصالحة تنظيمية، فبالنسبة للمصالحة الإتفاقية فإنه يمكن لطرفي النزاع مباشرة إجراء المصالحة الإتفاقية المدرجة في الإتفاقية الجماعية أو العقود التي يكون كل من الجانبين طرفاً فيها، أما إذا لم تكن هناك إجراءات اتفاقية للمصالحة أو في حال فشلها، يتم اللجوء إلى المصالحة التنظيمية حيث يرفع النزاع وجوباً إلى مفتشية العمل المختصة.إقليمياً.

طبقاً للمادة (05) من القانون 02/90، وعند انقضاء أجل المصالحة الذي لا يتجاوز 08 أيام ابتداء من تاريخ الجلسة الأولى، يعد مفتش العمل محضراً يوقعه الطرفان ويدون فيه المسائل المتفق عليها، ويصبح يودعه الطرف الأكثر استعجالا لدى كتابة ضبط المحكمة المختصة إقليمياً، وإذا لم يتمكن مفتش العمل من التوصل إلى مصالحة بين الأطراف فإنه يحرر محضر عدم الصلح، هذا المحضر الذي يعطي الطابع الشرعي للإضراب.

ماعدا في حالة وجود نص في الإتفاقيات على طرق أخرى للتسوية يلتزمون بمراعاتها قبل اللجوء إلى الإضراب كالوساطة والتحكيم، وخولت المادة (09) . القانون 02/90 للأطراف أن يتفقوا بعد فشل المصالحة، إلى اللجوء إلى الوساطة أو إلى التحكيم.

الوساطة:

الوساطة هي إجراء يتفق بموجبه أطراف النزاع الجماعي على إسناد مهمة إقتراح تسوية ودية للنزاع إلى شخص من الغير يدعى وسيط، يشترك الطرفان في تعيينه حسب المادة 10 من القانون 02/90.

وبعد تعيين الوسيط يقوم بجمع المعلومات التي يتلقاها من الطرفين ويتقيد معها بالسر المهني، ويمكنه أن يطلب يد العون من مفتشية العمل المختصة إقليمياً، وبعد انتهاء الأجل الذي حدده الطرفان للوسيط من أجل طرح توصياته، يقوم الوسيط بإقتراح توصيات معللة للطرفين، ويرسل نسخة منها إلى مفتشية العمل المختصة إقليمياً.

وعاقب المشرع الجزائري في نص المادة (54) كل من زوّد الحكام والوسطاء بمعلومات غير صحيحة أو وثائق مزورة أو مارس مناورات إحتيالية تستهدف الضغط على الوسيط أو المحكم، بغية توجيه قرارهما او توصيتهما.

التحكيم:

              يعرف جانب من الفقه بأن التحكيم هو : الطريق الإجرائي الخصوصي للفصل في نزاع معين بواسطة الغير وذلك بدلاً من النظام القضائي العام، دون أن يكون ذلك بعيداً عن القانون الذي ينظم هذا الجانب من العلاقات).

         وخلافا للوساطة أحال المشرع آلية التحكيم إلى قانون الإجراءات المدنية،(الملغى)، بالتحديد المواد من (442) إلى (454)، تقابلها المواد من (1006) إلى (1038) المتعلق بالتحكيم الداخلي (قانون، القانون رقم 08-09 المتضمن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، 2008). فحسب المادة (25) من القانون 02/90 لا يترتب على اللجوء إلى التحكيم كطريق لفض المنازعة العمالية لوقف الإضراب.

بمعنى يمكن أن يلجأ إلى التحكيم بعد الشروع في الإضراب وهذا عكس إجراء المصالحة والوساطة حسب الحالة، وتنص المادة (13) من القانون 02/90 في فقرتها الثانية على ما يلي:( يصدر قرار التحكيم النهائي خلال الثلاثين يوماً الموالية لتعيين الحكام، وهذا القرار يفرض نفسه على الطرفين اللذين يلزمان بتنفيذه). وطبقا للأحكام الواردة في القانون 09/08 المتعلق بقانون الإجراءات المدنية و الإدارية والمنظمة للتحكيم، قسم المشرع التحكيم إلى نوعين أساسيين وهما:

شرط التحكيم:

وعرفته المادة (1007) بأنه: (الإتفاق الذي يلتزم بموجبه الأطراف في عقد، لعرض النزاعات التي قد تثار بشأن هذا العقد على التحكيم)، وألزم المشرع في شرط التحكيم أن يكون كتابياً تحت طائلة البطلان في الإتفاقية الجماعية، ويجب أن يتضمن أيضاً تعيين المحكم أو المحكمين، أو تحديد كيفيات تعيينهم. وتجدر الإشارة في حال اعترضت صعوبة تشكيل محكمة التحكيم، يعين المحكم أو المحكمون من قبل رئيس المحكمة الواقع في دائرة إختصاصها محل إبرام العقد أو محل تنفيذه.

إتفاق التحكيم:

وهو الإتفاق الذي يقبل الأطراف بموجبه عرض نزاع سبق نشوؤه على التحكيم، وإشترط المشرع في هذا الإتفاق شرط الكتابة، ويجب أن يتضمن تحت طائلة البطلان، موضوع النزاع وأسماء المحكمين، أو كيفية تعيينهم، كما أنه إذا رفض المحكم المعين القيام بالمهام المسندة إليه، يستبدل بغيره بأمر من طرف رئيس المحكمة المختصة.

وتجدر الإشارة إلى أنه تنتهي الخصومة التحكيمية بصدور حكم التحكيم بأغلبية أصوات هيئة التحكيم، ويكون حكم التحكيم النهائي أو الجزئي أو التحضيري قابلاً للتنفيذ بأمر من قبل رئيس المحكمة التي صدر في دائرة إختصاصها، ويودع أصل الحكم في أمانة ضبط المحكمة من الطرف الذي يهمه التعجيل.

اذا لابد من وجود ما يجب التنبيه اليه!!!

كما يجدر التنبيه أن المشرع الجزائري خص في القانون 02/90 المنازعات الجماعية التي تقوم في المؤسسات والهيئات العمومية ذات الطابع الإداري وكذلك الإدارات المركزية التابعة للدولة والولايات والبلديات، لأحكام خاصة، حيث فرض في نص المادة (15) من نفس القانون. على المؤسسات العمومية من أجل اتقاء المنازعات، أن تقوم بإجتماعات بصفة دورية تدرس من خلالها وضعية العلاقات الإجتماعية والمهنية داخل المؤسسات الإدارية مع ممثلي العمال والممثلين المخولين في المؤسسات والإدارات العمومية المهنية.

هذا التمييز أوالتفضيل لا يأتي من فراغ بل لأن الموظف العام في المؤسسات الإدارات العمومية هو أحد العوامل والوسائل الرئيسية لنجاح النشاط الحكومي، ويكفي للتدليل على أهمية الوظيفة العامة الإستشهاد بما أقره غالبية الفقه في فرنسا أن مفهوم الوظيفة العامة يترجم مفهوم الدولة في حد ذاتها كأهم أشخاص القانون العام، وأن الموظف العام يستمد أهميته من أهمية الوظيفة التي جعلت أساساً لخدمة الجمهور وتحقيق المصلحة العامة.

ويقول الدكتور سليمان محمد الطماوي مؤكداً إذا كان القانون الإداري لا يهتم أساساً إلا بالأشخاص المعنوية، فإن الشخص المعنوي بطبيعته لا يمكن أن يؤدي رسالته إلا عن طريق شخص آدمي هو الموظف العام .

            لذلك حينما يتعلق الأمر بممارسة الإضراب من قبل موظف عام يشكل ذلك بنظر السلطة خطر على سير المرافق العامة بإتنظام وإضطراد، لذلك أخضع المشرع في القانون 02/90 هذا الحق لمجموعة من الضوابط القانونية، التي يجب على النقابات العمالية إتباعها قبل اللجوء إلى الإضراب وتتمثل في إجراء المصالحة والتحكيم، وهو ما سندرسه من خلال هذا المطلب.

مراجع:

  • معزيز عبد السلام (2018). الوجيز في قانون العمل، د.ط، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع_الجزائر(ص07-127).
  • زنقيلة سلطان (2021). الاضراب في الجزائر”دراسة قانونية”، مجلة القانون و التنمية المحلية، مجلد(03)، عدد(02)، الجزائر ص(139 – 160).
  • كمال مخلوف (2011). الاطار التنظيمي لإتفاقية العمل الجماعية في التشريع الجزائري، مجلة معارف، مجلد (03) عدد (04) ص(119- 136).

About Author

Leave a Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *