1- مفهوم أسلوب البحث السببي المقارن
يعد البحث السببي المقارن من أنواع البحث العلمي للظواهر السلوكية التي تتعدى مجرد الكشف عن الإرتباط بين متغيرين مثلا: الى الكشف عن مدى تأثير أحد المتغيرين في الآخر. بحيث يكون أحدهما سببا والآخر نتيجة له.
وبالرغم من أن هذا الهدف لا يتحقق في صورته المثلى الا بواسطة الدراسات التجريبية حيث يمكن التحكم في بعض الظروف وضبط بعض المتغيرات. الا أن هناك حالات يلزم فيها التوصل الى بعض التعميمات المتعلقة بالأسباب من خلال الدراسات السببية المقارنة. وذلك لصعوبة اجراء التجارب في موضوعها، ولضرورة ربط هذه التعميمات بطبيعة الظاهرة. وليس بالظروف التجريبية المخبرية. وفي هذه الحالة يتم تحليل جوانب التشابه و الاختلاف بين الظواهر من أجل التوصل الى العوامل التي يظهر أنها تكون مرافقة لظروف أو حالات معينة. كدراسة أثر المؤهل التربوي للمعلم في زيادة تحصيل التلاميذ(مصطفي، 2022، ص41).
2- متي يطبق البحث السببي المقارن؟
يقول بست (1981) إن هناك حالات، وظواهر معينة، وأنواع من السلوك لا يمكن إخضاعها للتجريب لمعرفة الإجابة على سؤال : ماهي العوامل المحتملة التي يبدو أنها ذات تأثير في ظهور ظواهر محددة، أو حالات معينة، أو أنواع من السلوك … الخ)؟
وبست Best بمقولته هذه يشير إلى متى يكون البحث السببي المقارن هو أولى أساليب البحث بالتطبيق .
فالبحث السببي المقارن يطبق فقط عندما يكون الغرض من البحث محاولة الكشف عن الأسباب المحتملة من وراء سلوك معين، بواسطة دراسة العلاقة السببية المحتملة بين متغير ومتغير آخر من خلال ما يمكن جمعه من معلومات عن السلوك المراد دراسته.
3 – كيف يطبق البحث السببي المقارن؟
يبدأ الباحث في تطبيقه للبحث السببي المقارن بتوضيح كامل لمشكلة البحث ثم يراجع الدراسات السابقة – إن كان هناك من دراسات تناولت المجال المراد دراسته إجمالاً أو تفصيلاً.
والبحث السببي المقارن لا يختلف عن بقية أنواع البحوث الأخرى في كيفية تطبيق هاتين الخطوتين توضيح مشكلة البحث) و(مراجعة الدراسات السابقة ولكن لأهمية) فروض البحث فيه لابد من تفصيل الكلام عنها هنا.
ففروض البحث تعد هي المحور الأساسي الذي تدور حوله العملية البحثية في البحث السببي المقارن . فالباحث لا يستطيع أن يجرى البحث ما لم تتوافر لديه خلفية علمية كافية تجعل عنده تصور عام عن الأسباب المحتملة (الفروض) ذات الأثر على الظاهرة المدروسة.
ونظراً لإن الباحث لن يستطيع الجزم بتأثير ما يفترضه من أسباب بسبب عدم التجريب، فيرى الباحثين في المنهجية ومنهم مايكل وايزاك (1971) أنه يتعين عليه أن يسرد الأسباب المحتملة (الفروض) التي توصل إليها، ويعتقد أنه من المحتمل جداً أن يكون لها أثر، ثم يتبعها بسرد البدائل الفروض البديلة). وهذا يساعده لإن يتوصل إلى نتائج دقيقة في معرفة الأسباب ذات الأثر.
ولأهمية فروض البحث في البحث السببي المقارن يشترط علماء المنهجية على الباحث أن يوضح المسلمات التي اعتمد عليها في فرضه لكل فرض حيث أن إدراك الباحث لهذا والتزامه به سوف يساعده على قصر الجهد على الأسباب المحتملة فعلاً، وبدائلها دون سواهما .
وبعد توضيح المشكلة، ومراجعة الدراسات السابقة، يقوم الباحث بتصميم بحثه ويحدد خطواته الإجرائية.
والخطوات الإجرائية للبحث السببي المقارن تشتمل على مايلي :
. تحديد مجتمع البحث.
. اختيار عينة البحث : أي يختار مجموعتين متشابهتين ومتكافئتين تماماً في معظم الخصائص ماعدا الخاصية (المتغير المستقل) المراد دراستها .
مجموعة تجريبية : توجد فيها الخاصية المراد دراستها : كأن يكون أفراد المجموعة من ذوى المعدل الدراسي المرتفع .
وهنا أيضاً يحاول الباحث أن يكون أفراد المجموعة متشابهين أيضاً فيما بينهم إلى حد كبير : كأن تكون أعمارهم متقاربة، ونسبة ذكائهم متقاربة أيضاً .. الخ .
ومجموعة ضابطة : تشبه المجموعة الأولى في خصائصها ماعدا الخاصية المراد دراستها كأن يكونوا من ذوى المعدل الدراسي غير المرتفع
– جمع المعلومات : وذلك بتصميم أو اختيار الأداة المناسبة لجمع المعلومات، ومن ثم تطبيقها، فقد تكون الأداة إستبانه، أو مقابلة، أو اختبارات مقننة، أو تحليل وثائقي لملفات الطلبة مثلاً .. الخ .
تحليل المعلومات: باتباع الخطوات التي تشتمل على :
– مراجعة المعلومات.
– تبويب المعلومات.
– تفريغ المعلومات.
. تحليل المعلومات.
– تفسير المعلومات.
– ملخص البحث وعرض النتائج والإقتراحات.
4- المميــــــــــــــــزات والعيـــــــــــــــــوب :
يعد البحث السببي المقارن من أساليب البحث التي تطبق كثيراً في البحث في العلوم السلوكية وذلك كما يقول بورق وقول (1983) بسبب سهولة معرفة وإجراء المعالجات الإحصائية اللازمة لتطبيقه، التي يغلب أن تكون إما اختبارات أو تحليل التباين T Test or Analysis of variance وكذلك بسبب ما يتسم به من مميزات مثل :
أن هناك الكثير من المشكلات والنماذج السلوكية التي لابد من دراستها ولكن لا يمكن دراستها تجريبياً لمعرفة مسبباتها، ومدى علاقة تلك الأسباب بها وأثرها في ظهورها. وإنما يمكن تشخيص حالتها الحاضرة وإستنتاج الأسباب المؤثرة، وأنسب أسلوب بحث لتحقيق ذلك هو البحث السببي المقارن .
فمثلاً عند إجراء دراسة تجريبية – أي بواسطة تطبيق المنهج التجريبي – لمعرفة هل التخلف العقلي يؤثر على مستوى تعلم تلاميذ السنة ثانية ابتدائي للمبادئ الرياضية البسيطة، لابد من اختيار عينة من التلاميذ وتقسيمهما إلى مجموعتين مجموعة تجريبية يتم تعريضها للتجربة أي يُخضع أفرادها للتخلف العقلي، ومجموعة ضابطة لا تعاني من تخلف عقلي والسؤال هنا هل يستطيع الباحث أياً كان أن يجرى مثل هذه الدراسة؟ طبعاً لا .
أما عند دراسة هذا الموضوع بواسطة تطبيق البحث السببي المقارن، فالباحث سوف يبحث عن مجموعة تجريبية أفرادها من المتخلفين عقلياً، ومجموعة ضابطة أفرادها أسوياء، أي ليسوا متخلفين عقلياً. ويجرى الدراسة ليستنتج هل هناك فرق بين المجموعتين في تعلم المبادىء الرياضية البسيطة، وإن كان كذلك فما الأسباب التي أوجدت ذلك الفرق؟، وقد يتوصل إلى أن التخلف العقلي هو السبب الوحيد ولكن السؤال أيضاً هل يستطيع الباحث أن يجزم بأن التخلف العقلي السبب الوحيد؟ طبعاً لا، وذلك لإنه أيضاً لا يستطيع أن يجزم بما يلي :
– عدم وجود سبباً آخر غير ملاحظ.
– عدم إشتراك سببين معا دون فصلهما عن بعضهما البعض.
– عدم وجود سبب معين في حالة وسبب آخر في حالة أخرى.
ولكن مع هذا يبقى البحث السببي المقارن أسلوب بحث ذو أثر كبير في تقدم البحث العلمي في العلوم السلوكية. فهو كما قال کرلینجر (1983) إذا كان هناك من دراسات ذات قيمة علمية كبيرة في أي من علم النفس، الاجتماع، التربية، فلابد من أنها بحثت بحثاً سببياً مقارناً قبل أن تبحث تجريبياً
أيضاً مما يمتاز به البحث السببي المقارن أنه يمكن بواسطته دراسة العلاقة بين عدد كبير من المتغيرات المستقلة (الأسباب) وبين نتيجة واحدة . وهذا يساعد على صحة تفسير النتائج التي يتوصل إليها الباحث خاصة عندما يحتاط ويدرس أثر كل الأسباب الممكنة مما يجعله يتأكد من أثر بعضها بالمقارنة للبعض الآخر. إلا أن هذا أيضاً لا يرفع مستوى البحث السببي المقارن لمستوى المنهج التجريبي لإن الباحث المطبق له .
– لا يجري التجربه لمعرفة أثر السبب على النتجة . – يختار الأفراد – الذين يكونون المجموعتين التجريبية والضابطة ـ اختياراً فرديا.
لن يتمكن من ايجاد مجموعتين من الأفراد متشابهتين تماماً في كل المتغيرات عدا المتغير المراد دراسته.
إلا أن هذا أيضاً لا يقلل من قيمة البحث السببي المقارن، فهو كما قال عنه لهمان ومهرنز (1989) « ليس هناك من أدنى شك بأن البحث السببي المقارن لا يُقارن مع المنهج التجريبي، إلا أنه يُمكن من الوصول إلى مؤشرات قوية وذات قيمة علمية كبيرة في فهم الظاهرة المدروسة وطبيعتها.


Leave a Reply