الغيرة المهنية: مفاهيــــم أساسيــــــة

تعد الغيرة المهنية من بين أهم الظواهر التي يشهدها عالم العمل في وقتنا الحالي في مختلف مجالاته بما في ذلك الأوساط الخدمية، الفنون، الأكاديمية، والاقتصادية من خلال تلك المشاعر، السلوكيات والممارسات السلبية التي تنشأ بين الموظفين نتيجة لنجاح أحد زملاء العمل، أو في مصلحة معينة داخل نفس المنظمة. وهو ما من شأنه أن يؤدي الى تشكل بيئة عمل معادية، انخفاض مستويات الرضا الوظيفي  وإنخفاض مستويات الآداء التي ينجر عنها انخفاض في إنتاجية المنظمة مما يؤدي الى التأثير في نهاية المطاف الى عدم تحقق الأهداف التي جاءت من أجلها المنظمة.

كما تشير الغيرة المهنية الى مشاعر الحسد أو الإستياء التي قد يشعر بها الموظفون تجاه زملاءهم في المنظمة الواحدة من جراء توفر عوامل مختلفة تندرج ضمن تقديم حوافز مادية أو معنوية أو كلاهما، كفرص النمو الوظيفي، الترقيات، الإعتراف والتقدير، بحيث ينظرون إليهم على أنهم أكثر نجاحا، كفاءة، أو إنجازًا. وهو ما أظهرته العديد من الأبحاث التي أجريت في ذات السياق من بينها دراسة Career Builder التي كانت في سنة 2018، والتي من بين ما توصلت اليه أن 55% من الموظفين أفصحوا عن شعورهم بالغيرة من نجاح زميلهم في العمل، منهم ما نسبته 71% غيرتهم كان لها تأثير سلبي على آدائهم الوظيفي (Career,2018).

هذه النتيجة التي يدعمها تعريف Bruce peltier (2015) في كتابه “the psychology of executive coaching” الذي مفاده أن الغيرة المهنية هي: “ذلك الشعور الذي ينشأ عندما يرى الفرد أن زميلاً له أكثر نجاحا أو كفاءة منه ويتعرض لمشاعر سلبية نتيجة لذلك (Bruce,2015, p 94).

كما أن الغيرة المهنية يمكن أن تظهر بطرق مختلفة وأساليب متنوعة كحجب معلومات، موارد، أو فرص عن الآخرين أعضاء المجتمع العمالي الواحد، انتقاد عمل أحدهم، الانخراط في النميمة، أو الترويج للشائعات، بشكل يؤدي الى تهيئة أرضية داعمة لنشوء الصراع التنظيمي، وضعف ديناميكية فريق العمل. مما يؤدي الى الإضرار بالآداء العام للمؤسسة (Bishop,2017).

اذا نفهم من هذا الكلام ان الغيرة المهنية متغير حيوي

نعم بالطبع هي متغير حيوي تنعكس عنه مجموعة من السلوكيات السلبية بطرق مختلفة تكون وفقًا لما هو متاح لدى الفرد الذي تشكل لديه الشعور بالغيرة المهنية، فكما قد يصدر عنه سلوكيات من شأنها إخفاء معلومات عن باقي أفراد فريق العمل بغض النظر عن رتبهم الوظيفية. هو أيضا قد ينعكس في الترويج للشائعات التي لا تخدم الهدف العام لعمل الفريق أو المنظمة ككل، كما أن الفرد الذي يتوفر لديه الشعور بالغيرة المهنية يمكن أن يكون له آثار سلبية على رفاهية الموظف، رضاه الوظيفي والنتائج التنظيمية.

  وهذا ما تدعمه دراسة كل من Mclaughlin, coffey, & lee التي كانت في سنة 2015 والتي مما جاء فيها أن الأفراد الذين يعانون من الغيرة المهنية هم أكثر عرضة للإنخراط في سلوكيات عمل تعود بنتائج عكسية كتخريب عمل زملاءهم وهو ما ينجر عنه آثار سلبية على رفاهية هؤلاء الأفراد، رضاهم الوظيفي والنتائج التنظيمية بشكل عام (Mclaughlin, coffey, & lee, 2015).

استنتـــــــاج

وبالتالي فمهوم الغيرة المهنية ليس هو عبارة عن معنى تصفه مجموعة معينة من المصطلحات تعكس مجموعة معينة من السلوكيات، وانما هي ما يجري تلقيه من طرف الفرد العامل من سلوكيات باختلاف الصيغة التي أتت ضمنها هذه السلوكيات من قول أو فعل سواءا اكان بشكل مباشر أو غير مباشر. وما يتم تقديمه من طرف هذا الفرد العامل كردة فعل لما يتلقاه بشكل يحافظ فيه على مفهوم (زميل، وفاء، التزام، اجتهاد، نزاع، انجاز، امتثال، وِدْ …الخ)، لكن ليس معنى ذلك انه يحتفظ بمضمون كل مفهوم من هذه المفاهيم، وانما يضيف أو يعدل أو يقدم معنى جديد أو تجربة معينة في قراءته لذلك المفهوم

وردة فعل الفرد العامل الذي تكون لديه الشعور بالغيرة المهنية يكون ذي قيمة بالنسبة له، أي ان السلوكيات التي تصدر من الفرد العامل تعكس معنى او مجموعة معاني أقرب الى احساسه الوجداني منها الى بناءه العقلي والمنطقي. ليكون هذا السلوك او مجموع السلوكيات الصادرة منه في إطار ردة الفعل شعور يراه يبعثه على ما يرغب فيه من بواعث حسية يرى فيها الفرد العامل نفسه انها هي ما يجب ان يرغب فيه الفرد أيضا. ليستطيع من خلالها اتخاذها كعامل يحفزه لما ينبغي أن يكون


أهمية دراسة الغيرة المهنية في منظمات الأعمال

لماذا دراسة الغيرة المهنية في منظمات الأعمال؟

ومن منطلق أن الرفاهية في العمل والرضا الوظيفي الواردة فيما سبق ذكره أعلاه هي متغيرات تندرج ضمن الجانب المعنوي في بيئة العمل نجد في هذا السياق دراستين أجريت الأولى في المملكة المتحدة على عينة من الممرضات وجدت أن الغيرة المهنية هي تجربة شائعة من شأنها أن تؤدي الى نزاعات، صراعات وضعف معنويات فريق أو جماعة العمل بالمؤسسة (curtis & al, 2015). في حين كانت الدراسة الثانية قد طبقت على الأطباء في الولايات المتحدة وجدت أن الغيرة المهنية تشكل مصدرا أساسياً للتوتر وعدم الرضا بين الأطباء، مما قد يؤثر على الرعاية الصحية الأمثل للمرضى (Shanaflet & al, 2015).

فالغيرة المهنية يمكنها أيضا أن تنعكس بشكل سلبي على تقليص جودة الخدمات المقدمة لعملاء المنظمة الخدمية وعلى المُنتج إن كانت المنظمة اقتصادية وهو ما يؤثر على سمعتها ومكانتها السوقية.

هذا من جهة أما من جهة أخرى يمكن أيضا للغيرة المهنية أن تنعكس بشكل ايجابي من شأنه أن يعزز  ويساهم في رفع التحدي وتحقيق أفضل للذات من خلال:

  • تهيئة الأرضية الداعمة لتعزيز ثقافة عمل إيجابية من شأنها تعزيز ثقافة التعاون، الشفافية الإعتراف، والتواصل المفتوح من خلال تجسيد إستراتيجيات مثلى لمنع الغيرة المهنية ومعالجتها في مكان العمل (Harned, 2019).

ولذلك لابد من إضفاء عامل المرونة لهذه الإستراتيجيات لتكون لها القدرة على الكشف عن الأسباب الحقيقة للغيرة لمهنية ومعالجتها بشكل يتم فيه التركيز على تجسيد قناعة لدى أفراد المجتمع العمالي على تطوير قدراتهم المختلفة والتغلب على مختلف الصعوبات وأوجه النقص التي تكون على مستوى قدراتهم بدلا من مقارنة أنفسهم بالآخرين والسعي الى التعاون والتعلم من زملاءهم وهو ما يدعم سلوك التنافس الشريف. وهي خطوات يمكن للمنظمات باختلاف طبيعة نشاطها تجسيدها، إضافة الى تجسيد معايير وتوقعات واضحة للآداء، اضافة الى فرص متكافئة للنمو .

والتنمية، لذلك تعد دراسة الغيرة المهنية في مؤسسات الأعمال على غاية من الأهمية

بقلم الدكتور: منـــذر خرفــــان من مؤلفه: الغيرة المهنية وبيئة العمل المعنوية

About Author

Leave a Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *