تقديــــــم
لقد كان ولا يزال الإهتمام ببيئة العمل هو المحدد لنجاح المنظمة بشكل كبير في تقديم خدماتها، حيث أن نجاح المنظمات في إدارة أعمالها يتوقف على المعرفة السليمة لطبيعة العمل لتحديد نوع الأساليب التي تمتلكها المنظمة لتحديد أهدافها والمحافظة على بقائها وهي التي تشكل بيئة العمل التي يزاول فيها الأفراد مهامهم لتحقيق أهداف المنظمة.
ومن الطبيعـــــي أن الخدمات والأعمال التي تقوم بها المنظمات تتوقف على الإمكانيات والهيـاكـــل التي تتحمل الأعباء الملقاة على كاهل الأجهزة المجندة لتحقيق الأهداف العامة (سرور الحريري، 2016، ص63).
وهذا أمر طبيعي كون متغير بيئة العمل متغير حيوي دائم التطور يختلف في خصائصه، متطلباته حجمه، وسبل تجسيده وفقا لطبيعة نشاط المؤسسة، والبيئة التي تنتمي اليها المؤسسة بل ويختلف في المؤسسة الواحدة من ورشة لأخرى أو من قسم لآخر.
فبيئة العمل هي مجموع العوامل أو المتغيرات الداخلية أو الخارجية (سواء أكان يمكن قياسها أم لا) والتي يؤدى فيها العمل والتي تقع داخل حدود التنظيم أو خارجه، والمؤثرة (أو التي يحتمل أن تؤثر) على فعالية وجودة وكفاءة الآداء والتي يتم إدراكها من طرف المورد البشري العامل والإدارة على أنها تمثل فرصا أو قيودا (يوسف دودين، 2014، ص41).
في التعريف أعلاه نلاحظ أنه تطرق لنقطة أخرى تجذب الإنتباه وهي أن المحدد الأساسي للحكم على بيئة العمل ما إذا كانت تمثل فرصا أو قيودا يتوقف على كيفية إدراك العاملين والإدارة لمجموع العوامل التي تمثل بيئة العمل.
وماذا يقول الاطار القانوني في هذا السياق؟
وفي هذا الشأن حرص الإطار القانوني على ضرورة التكفل الأمثل ببيئة العمل من خلال سن مجموعة من القوانين والاتفاقيات من طرف هيئات ومنظمات دولية وإقليمية كمنظمة العمل الدولية، والعربية هذه الأخيرة التي من مخرجاتها الاتفاقية العربية (رقم 13 لعام 1981) بشأن بيئة العمل والتوصية رقم (05 لعام 1981) المتممة لها أكدت ديباجة الإتفاقية على مفهوم بيئة العمل التي تشمل الظروف النفسية والإجتماعية. لذا فقد جاءت هذه الإتفاقية بشأن تحسين بيئة العمل لتكون الآداة القانونية القادرة على توفير البيئة الصالحة والمناخ الملائم للقوة العاملة العربية ومما جاء في أحكامها:
الإلتزام بحماية وتحسين بيئة العمل.
حماية بيئة العمل والعاملين من مختلف المخاطر والأمراض.
إتخاذ مختلف الإجراءات والوسائل التي من شأنها أن تضمن للعامل إستقراره النفسي والإجتماعي(الطاهر بومنجل، 2017، ص71).
ونلاحظ أن الحكم الذي يأتي في الترتيب الثالث الموافق للتسلسل المذكورة به هذه الأحكام هنا، أنه يمثل دعما اضافيا لإختيارنا لمتغير بيئة العمل المعنوية بالدراسة وهذا لأهميته البالغة.
كما تعرفها منى خالد عكر بأنها تلك المجموعة من المتغيرات والأحداث التي تتكون داخل محيط معين وهو المؤسسة أو الوظيفة، ويمكن للإدارة المسؤولة التحكم بها وبشكل مباشر وأكيد، وكل بيئة عمل تختلف عن الأخرى وهي كل مكان يتواجد به أفراد للعمل مقابل الحصول على عائد مالي(خالد عكر، 2020، ص28).
لنلاحظ من خلال التعريف المذكور أعلاه أنه تطرق لبيئة العمل معيدا في ذكره لميزة الإختلاف في بيئة العمل، مركزا على المحيط الداخلي للمؤسسة، وحصرها على انها مكان يتضمن مجموعة موارد بشرية يؤدون عملا في مقابل عائد مادي.
أنــــــــواع بيئــة العمــــــــل
إن الإكتفاء بالتطرق لمصطلح بيئة العمل بشكل عام لا يكون مساعدا على تحقيق الأهداف المرجوة من الظاهرة محل الدراسة وإنما علينا التطرق لأنواع بيئة العمل حتى نكون أكثر إحاطة ودقة بهذا المتغير الهام والأساسي لتحقيق الهدف المشترك بالمؤسسات باختلاف طبيعة نشاطها.
كما أنه وبناء على ما تم التطرق اليه من محتوى نظري ذي الصلة ببيئة العمل وجدنا اختلافا متباينا في تحديد أنواع بيئة العمل وتقسيماتها، حيث نجد تارة اختلافا في وضع عنوان النوع واتفاقا في المضمون، وتارة أخرى اختلافا من حيث عنوان النوع ومضمونه. فهناك مراجع ترى أن أنواع بيئة العمل تتمثل في (بيئة العمل العامة، بيئة العمل الخاصة). وهناك من يرى بأن أنواع بيئة العمل تتمثل في (بيئة العمل الداخلية، بيئة العمل الخارجية). وهناك من يحدد انواع بيئة العمل على أنها (بيئة العمل المادية، بيئة العمل المعنوية أو “النفسية والإجتماعية”). وما من خلالها ارتأينا أن نضع تقسيما أكثر دقة توضيحا وشمولا لأنواع بيئة العمل كالتالي:
بيئة العمل المعنوية
وتشتمل على المناخ الإجتماعي العام، طبيعته والروابط الإجتماعية والعلاقات الشمولية السائدة بين الموارد البشرية في مكان العمل والصراعات التنظيمية الموجودة بين العاملين ولهذه الجوانب انعكاسها الكبير على الناحية النفسية لكل فرد يعمل في المنظمة. ولذلك لابد على إدارة الموارد البشرية التأكيد على أهمية تطبيق مبدأ العلاقات الإنسانية منذ تحديد العمل وعند وضع السياسة في تحليل العمل والحرص على إبعــــاد وتحييــــــد كــــل مــا مـــن شأنـــه أن يتنــافــــى مــــن الأعمـــــــال والسلوكيــــــات مع كرامــــــــة الإنسان (الحريري، 2018، 279).
وبما أن عملية تنظيم بيئة العمل وجعلها مثالية للعاملين من أهم أبعاد جودة الحياة الوظيفية، إستطاعت تويوتا (toyota) أن توفر لعامليها بيئة عمل جاذبة بفضل الكايزن الذي يسعى للتخلص من الهدر ومن التقنيات التي تستخدم ضمن هذا المدخل طريقة الخمسة (s).
وهنا نرتئي أن نتطرق لإلقاء نظرة مختصرة عن طريقة الخمسة (s): قدمت هذه الطريقة لأول مرة من طرف الخبير الياباني هيروكي هيرانو (hiroyuki hirano) أحد خبراء (toyota) ضمن كتابة الأعمدة الخمسة لمكان العمل المرئي (the five pillars of the visual workplace) عام 1955.
وكيف هو تقديم هذه الطريقة؟
هذه الطريقة التي هي مقدمة في شكل عبارة عن خمس خطوات تساعد القائمين على تسيير الموارد البشرية ومن يسهرون على تنظيم وتأدية العمل على إجراء التغييرات والتحسينات التدريجية في مكان العمل وتجعل من هذا الأخير بيئة في غاية التنظيم والراحة، الأمان ومكانا يعج بأصحاب المعنويات العالية.
اسم الطريقة مستمد من الحروف الأولى للخطوات باللغة اليابانية (seiri, seiton, seiso, seiketsu, shitsuke) وبالترجمة العربية يمكن استبدال اسم الطريقة بالتاءات الخمسة المستمـــدة من الحروف العربية للخطوات(تصنيف، ترتيب، تنظيف، تنميط تثبيت)(شريفي، 2019، ص06).
هي مجمل تلك الظروف التي تتضمن الخدمات الإجتماعية، العلاقات الانسانية، ومختلف العوامل المحيطة التي يؤدي في ضوئها الفرد عمله والمؤثرة في سلوكه(خالد، العيد، 2019، ص05).
ليتضح لنا من خلال ماسبق التطرق اليه من التعاريف المندرجة ضمن عنصر بيئة العمل المعنوية أنها تلك المجموعة من الأبعاد المتمثلة في المزايا المشتركة، تقدير العمل المنجز، وضوح المسؤولية، والتعاون فيما بين زملاء العمل متجلية في مختلف الظروف والسلوكيات التي يؤدى ضمنها العمل.
بيئـــــة العمـــل الداخليــــة
هي مجموع الظروف التي تخص بيئة العمل والمتعلقة أساسا به، وذلك الحيز داخله والمتكون من العلاقات الرسمية والغير الرسمية، معدات السلامة المهنية، والظروف المادية من حرارة ورطوبة وتهوية وهي كذلك تلك اللوائح والقوانين التي تسير المؤسسة باختلاف طبيعة نشاطها(تقي الدين، 2022، ص1103).
هذا ويرى (نسيم) بأن بيئة العمل الداخلية هي كافة الظروف والعناصر السائدة داخل المنظمة والتي تحيط بالفرد العامل أثناء تأديته لعملة وتؤثر على نفسيته وسلوكه وتحدد إتجاهاته نحو عمله ونحو المنظمة التي يعمل فيها وأن هذا التأثير يتمثل في مستوى رضا الأفراد العاملين، مستوى آدائهم الوظيفي(خالد، 2021، ص589).
ونجد بيئة العمل الداخلية كذلك تعرف من خلال مجموع العوامل والمكونات والمتغيرات المادية والمعرفية والتنظيمية التي تتضمنها والتي هي ذات الصلة الوثيقة بحدود المؤسسة الداخلية فالبيئة الداخلية للمؤسسة تضم بين جناحيها عناصر القوة والضعف وتحليل هذه العناصر يسمح بوضع الارضية الداعمة لإنطلاقة هادفة للمؤسسة من خلال التحكم الأمثل في هذه العوامل والتأثير عليها والتعديل الدوري فيها مواكبة لمتطلبات ومتغيرات البيئة الخارجية ووفقا لحاجتها(سعيد، 2020، ص10).
ليتضح لنا من خلال ما سبق التطرق اليه أن بيئة العمل الداخلية انها تلك المجموعة المتكاملة للظروف والعوامل بم تتضمنه من متغيرات مادية، معرفية، وتنظيمية تكون هذه العناصر داخل حيز المؤسسة، يمكن التحكم فيها من مواكبة التغيرات الحاصلة في بيئة العمل الخارجية التي سنراها فيما يلي:
بيئة العمل الخارجية
هي مجموع القوى الخارجية التي لا يمكن للمؤسسة التحكم فيها بل وتخضع لها، وهذه القوى تجبر المؤسسة على وضع آليات تسمح لها بالتوافق مع هذه القوى وبما أن المؤسسة نظام مفتوح على البيئة التي تنشط فيها فبالتالي هي تتبادل معها الطاقة والمادة. وبيئة العمل الخارجية هي مصدر لأي فرصة، تهديد، أو تغيير في طبيعة المؤثرات التي تحكم نشاطها وهذا يؤكد على ضرورة بناء علاقات متميزة بين المؤسسة وعناصر بيئتها يكون أساسها المتابعة المستمرة والدائمة لكل التغيرات التي تحدث بمرور الزمن(سعيد، مرجع سبق ذكره، ص15).
ليتضح لنا من خلال ما سبق التطرق اليه أن بيئة العمل الخارجية هي تلك المجموعة من العوامل المختلفة المجلات سواء أكانت تكنولوجية سياسية، ثقافية، دينية، إجتماعية اقتصادية، أو أمنية ذات قوى تضع المؤسسة أمام حتمية مواكبتها لتحقيق أهدافها والحفاظ على استمراريتها.
بيئة العمل الإلكترونية
تشير بعض أدبيات الفكر الإداري المعاصر الى أن الاهتمام بالأعمال الإلكترونية ظهر بعد الإنتهاء من مواجهة توافق الأجهزة والبرامج مع مشكلة العام 2000 حيث تزايد التعامل باستخدام التقنية الرقمية لخدمة أهداف التنمية الإقتصادية والإجتماعية ومن ثم بدأت بيئة العمل الإلكتروني في التشكل وبروز انقساماتها في مناحي مختلفة من الحياة الإنسانية وبيئة العمل الالكتروني هي إحدى افرازات الثورة الرقمية التي تعود الى عصر المعرفة حيث أن الطريقة التحويلية القوية لهذه التقنية أصبح لها تأثير عميق في الطريقة التي يتعامل بها الناس ويعملون ويتسوقون بها ويتبادلون العلاقات الإجتماعية ويتواصلون في شتى بقاع الأرض والعامل المشترك في ذلك هو إتاحة وتوفير المعرفة بأقل تكلفة وبوقت اقل وأســـرع بكثير(السعيد، 2012، ص272).
وبيئـــة العمــل الالكتـــروني بمفهومهــــا العام هي تحويل الأعمال والخدمات الإدارية التقليدية والإجراءات الطويلة والمعقدة باستخدام الورق الى أعمال وخدمات الكترونية تنفذ بدقة وبسرعة عالية وبعبارة أخرى هي استخدام الحاسب الآلي وشبكاته في تنفيـــــــذ الاعمال الإداريــــة وتقديــــم الخدمــــات بشكـــل أســــرع، أكثــــر دقــــة، وبأقل وقت ممكــــــن وبأكثر أمــــان(السعيد، مرجع سبق ذكره، ص272).
لنلاحظ بعدما سبق التطرق اليه أن بيئة العمل الإلكترونية هي تلك العوامل والظروف الرقمية التي يؤدى في ضوءها العمل متجسدة في مختلف النظم الرقمية الإدارية، برامج آلات ووسائل العمل المختلفة هذه الأخيرة التي استطاعت إظهار قيمتها المضافة في تقليل جهد الموارد البشرية في آداء المهام الموكلة اليها، تقليل الوقت والتكاليف.
بيئــــــة العمــــل العامـــة
بيئة العمل العامة هي تلك التي تعبر عن الإطار الجغرافي الذي تعمل فيه جميع المنظمات بما فيها المنظمة المعنية وبالتالي تأثير هذا النوع من أنواع بيئآت العمل يكون على جميع المنظمات باختلاف طبيعة نشاطها، كما أن هذا النوع من بيئة العمل يتضمن العديد من المكونات من بينها القيم الثقافية، الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية، الظروف التعليمية، والتكنولوجية، الى جانب التضاريس والمناخ وما شابه(نجاة، 2022، ص641).
نلاحظ هنا في تعريف بيئة العمل العامة أنها تلك التي تشمل كل الظروف والعوامل التي تنشط فيها المؤسسة بما فيها المجال الجغرافي، التضاريس والمناخ.
بيئة العمل الخاصة
بيئة العمل الخاصة هي تلك التي تكون ضمن شبكة المنظمة المتبناة وتوضح علاقاتها مع المنظمات والجهات الأخرى ذات التأثير المباشر في عمل المنظمة ويقع ضمن هذا النوع من بيئة العمل المجهزون، الموزعون، الوكالات، المنظمات الحكومية ذات العلاقة، منظمات المجتمع المدني، والمنافسون الذين يجب أن تتفاعل معهم البيئة(نجاة، مرجع نفسه، ص641).
فهي بيئة عمل أكثر تخصصا وتتضح لنا من خلال العلاقة التي تجمع المؤسسة بمختلف المتغيرات ذات الصلة بنشاط المؤسسة سواء أكانت حكومية أو غير حكومية كالمجهزون، والمنافسون.
وهنا نجد الكبيسي يرى بأن التمييز بين بيئة العمل العامة والخاصة يعتمد على درجة العلاقة بين المنظمة ومتغيرات بيئة العمل، إن كانت مباشرة وقوية أو أنها غير مباشرة أو ضعيفة، والمقصود بالتأثير هنا هو مدى الترابطية أو الإعتمادية بين ما تأخذه المنظمة من بيئتها أو ما تزودها به سواء تمثل ذلك في طاقات بشرية أو في خدمات، دعم معنوي ونفسي(محمد سرور، 2016، ص67).
فالكبيسي في توضيحه للفرق بين بيئة العمل الخاصة وبيئة العمل العامة يشير الى انه يتضح في مدى الترابطية بين الطاقة والمادة التي تتبادلها المؤسسة مع المحيط الذي تنشط فيه.
بيئة العمل المادية
يقصد ببيئة العمل المادية تلك التي تعبر عن الظروف التي يؤدي في ضوئها الفرد عمله من إضاءة، حرارة، رطوبة، تهوية، الأرضية، ألوان جدران مكان العمل، …الخ، وما لها من شأن في التأثير على صحته الجسمية بدرجة أولى وعلى آداءه كما أنها قد تكون من أهم مسببات وقوعه في حوادث العمل(خالد، العيد، مرجع نفسه، ص05).
فهي تتعلق بكل ما من شأنه ذي أصل مادي كالأرضية، التهوية، الإضاءة وغيرها من الظروف التي يؤدى فيها العمل والتي تنعكس بشكل مباشر على صحة العمل الجسمية بدرجة أولى.