حركــــة العلاقـــات الإنسانيــــة
من الصعب على أي باحث في مجال الإدارة والسلوك التنظيمي أن يتعرف على مدرسة العلوم السلوكية دون أن يرجع الى حركة العلاقات الإنسانية التي كانت بمثابة المرحلة الأولى لمدخل العلوم السلوكية في دراسة الإدارة ومن أهم الدراسات التي قامت بها العلاقات الإنسانية هي دراسات الهاوثرن تحت اشراف إلتون مايو ووروثلز برجر ومجموعة من الباحثين في الفترة الممتدة بين 1927 – 1932 في مصانع شركة وسترن الكتريك (Western electric) في ضواحي مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية (الو. م. أ).
وكان الغرض من هذه الدراسات هو تحديد تأثير عدد من المتغيرات المادية كالإضاءة، وظروف العمل، وفترات الراحة على إنتاجية العاملين وقد تم تعديل هذه المتغيرات المادية بالزيادة والنقصان عن المستويات المعيارية ومع ذلك فقد ازداد الإنتاج في الحالتين واعتبر عندها الباحثين أن السبب يعود الى العلاقات الاجتماعية الحسنة السائدة بين العاملين ليطلق بعدها على هذه الدراسات بحركة العلاقات الإنسانية نظرا لتركيزها على أهمية العامل الإنساني في المنشأة(الموسوي، 2004، ص66).
فمدرسة العلاقات الإنسانية هي بوابة الدخول لحركة العلوم السلوكية في منظمات الأعمال التي جاءت تسميتها بعد الوقوف على أهمية العامل الإنساني من خلال ما توصلت اليه دراسات الهاوثورن في العلاقات الإجتماعية الحسنة السائدة بين العاملين.
وهو ما منحها الدور الكبير في تأكيد أهمية العامل الإنساني واعطائه الإهتمام الذي يتناسب والجهد الذي يبذله الإنسان في عمله وهذه الحركة جاءت كرد فعل على الأفكار التي نادت بها حركة الادارة العلمية، واعتمدت في بلورة مبادئها وأفكارها على نتائج التجارب العلمية التي أجريت على العاملين في في شركة هاوثرن وسترن الكتريك كما سبق ذكره للفترة الممتدة بين 1932 – 1928 والتي كان على رأس هذه التجارب التون مايو Elton mayo الذي يعد رائد الحركة الإنسانية(طارق، 2020، ص16).
ومن أهم المفاهيم التي نتجت عن دراسات هوثورن مايلي:
- أن المنظمة نظام إجتماعي بالاضافة الى كونها نظام فني وأن هنا النظام الإجتماعي عدد الأدوار ومعايير سلوك الأفراد وقد تختلف عن أدوار ومعايير التنظيم الرسمي للمنظمة.
- لا يتم إثارة دوافع الأفراد بفعل حوافز إقتصادية فقط فالحوافز المعنوية لها دورها أيضا في إثارة دوافع الأفراد.
- تلعب الجماعة الغير رسمية في المنظمة دورا في تحديد اتجاهات العاملين وآدائهم.
- وجوب الركيز على إشباع الأسلوب الديموقراطي والمشاركة كنمط في القيادة.
- ربطت حركة العلاقات الإنسانية بين رضا الفرد العامل وانتاجيته.
- تطوير نظام للإتصال الفعال بين مختلف مستويات المنشأة لتبادل المعلومات ولذلك فإن مبدأ مشاركة العاملين مهم في حركة العلاقات الانسانية.
- يحتاج مديرو المنشآة الى مهارات اجتماعية بقدر حاجاتهم الى مهارات فنية.
- يمكن تحفيز العاملين بالمنظمة عن طريق تلبية حاجياتهم النفسية والاجتماعيـــــــة(دار الكتاب الثقافي، د.س، ص99).
وتسمى النظرية الإنسانية أيضا بالنظرية السلوكية لأنها أكدت على دراسة سلوك الإنسان العامل من أجل تحسين آدائه وحل مختلف المشكلات التي قد تظهر في العمل حيث يعتقد السلوكيون أن الفهم الجيد للسلوك البشري في العمل مثل الدوافع، الصراع، التوقعات، وديناميات الجماعة تحسن الإنتاج، .
ووفقا لما أورده ماسلو فإن هذه الحاجات المرتبة في تسلسلها الهرمي هي حاجات عالمية متوفرة لدى كل الاقوام البشرية وبالتالي فهي تطبق على أحوال الموظفين والعاملين في مختلف الميادين. كما أن الحاجات الإنسانية المختلفة تنشط في أوقات مختلفة وتبقى الحاجات الغير مشبعة هي التي تؤثر في سلوك الإنسان ولا تهدأ حتى تنال حقها من الإشباع(مهدي صالح، مرجع سبق ذكره، ص155).
إستخدام سلم ماسلو للحاجات عمليا:
نقل ماسلو نموذجا للكثير من مديري المؤسسات باختلاف طبيعة نشاطها وفي مختلف الميادين حيث أنه يمنح مجموعة من المؤثرات للرجوع اليها في الحكم على سلوك فريقهم من أهمها:
إستخدام ماسلو للتحصل على الأساسيات في صورتها الصحيحة.
أن فريق العمل لا يحتمل أن يعمل بأقصى جهد إذا بقيت الموضوعات الأساسية المتعلقة بالراحة والأمان والإحترام دون حل.
أن استخدام ماسلو للتعرف على حاجات فريق العمل الحالية الأكثر شدة.
يمكن أيضا من أن يستخدم كآداة لتساعد في تقرير أهداف تسعى لإشباع حاجات درجة أعلى.
إستخـدامه للتعرف على العقبات التي تعترض تطور الناس(محمد أحمد، 2007، ص54).
و تقوم نظرية ماسلو للحاجات الإنسانية على فرضيات هي كالتالي:
- نادرا ما يتم إشباع حاجات الإنسان كاملة.
- سلوك الإنسان هادف ويحرك عن طريق إشباع حاجاته.
- يمكن أن تصنف الحاجات طبقا للهيكل الهرمي لتسلسل الأهمية من الأدنى للأعلى (علاوي شبلي، مرجع سبق ذكره، ص38).
هذا ولم يتوقف ماسلو عند حدود هذه الحاجات فأضاف حاجات المعرفة، والحاجات الجمالية فيما بعد ثم انتهى أواخر ايامه الى اضافة حاجات التعالي الذاتي، ليصبح هرم ماسلو مكون من (08) مستويات بدلا من (05) خمس مستويات وأن تحقيق إشباع الحاجات يكون وفقا للنسب التالية:
- الحاجات الفزيولوجية وتحقق بنسبة (58%)
- الحاجات الأمنية وتحقق بنسبة (70%)
- حاجات التقدير والإحترام وتحقق بنسبة (40%)
- تحقيق الذات وتحقق بنسبة (10%)
وبتطرقنا لنظرية ماسلو للحاجات الإنسانية لابد لنا من الإشارة الى نظرية كلايتون ألدرفر (klaton alderfer) التي لها ايضا اسهامات في متغير بيئة العمل المعنوية والذي كان من أوائل الباحثين في موضوع تعديل نظرية ماسلو كرد فعل لما واجهته نظرية التدرج الهرمي للحاجات الإنسانية من انتقادات حيث إقترح الدرفر أن يستبدل التدرج الهرمي لماسلو المكون من (05) خمس مستويات الى (03) ثلاث مستويات هي:
- حاجات البقاء Existance need’s: وهي من الضروريات التي يسعى الإنسان في البحث عنها وتحقيقها لضمان بقاء حياته وتتكون من حاجات فزيولوجية وحاجات الامن كالحاجة الى الطعام والمأوى.
- حاجات Relatedness need’s: وهي عبارة عن درجة الارتباط القائمة بين الفرد والبيئة المحيطة، وكذلك العلاقات القائمة بين الفرد والأفراد الآخرين في المجتمع الذي يعيش فيه.
- حاجات النموCrowth need’s: وهي جميع ما يتعلق بتطور قدرات الإنسان واستعداداته بما في ذلك الحاجة الى التقدير وتحقيق الذات ويضيف ألدرفر أن الإنسان يمكن أن يحقق حاجتين في الوقت نفسه وأن الانسان اذا فشل في تحقيق حاجاته العليا فان ذلك يدفعه الى العودة من جديد الى الحاجات الدنيا(منال، مرجع سبق ذكره، ص28-29).
كما ترى مدرسة العلاقات الإنسانية أن الإنسان هو مخلوق إجتماعي يسعى الى تحقيق علاقات أفضل مع الآخرين وأن أفضل سمة جماعية هي التعاون وليس التنافس وبناء على ذلك تنعكس كيفية تسيير السلوك الانساني والتنبؤ به والتحكم فيه فالفرد في المنظمة يتفاعل مع المجموعة التي يعمل معها ويتأثر في سلوكه بها من خلال آرائها ومعتقداتها، وأن شعور الفرد بانتمائه الى الجماعة هو الذي يحفزه لبذل جهد أكبر وأن اشباع حاجاته الإجتماعية هي أساس تحفيزه للعمل(بن خرور، اسماعيلي، 2019، ص25-26).
نظرية دوغلاس ماك غريغورDouglas Mc Gregor 1906-1964
تأثر العالم الإداري ماك غريغور بكل من دراسات الهاوثرن وهرم الحاجات لماسلو وقدم نظريتي الإدارة وهما (نظريةX ونظرية Y) حيث تعني نظرية x وجهة النظر السلبية للمدير حول العاملين إذ تفترض أن العامل كسول، غير موثوق به، وغير قادر على تحمل المسؤولية في حين نظرية y فانها ترى في العامل بأنه نشط، يتحمل المسؤولية، محب للعمل ولديه مستوى عالي من الدافعية (علاوي شبلي، مرجع سبق ذكره، ص39).
هكذا ينظر ماك غريغور الى الإنسان العامل ويؤكد عدم ضرورة الفصل أو التمييز بين العامل وعمله خاصة اذا ما أتقن عمله وأحسن انجازه فهما يشكلان وجهان لعملة واحدة (رايس، 2020، ص23).
نظرية (Z) اليابانية لــ”ويليام أوشي”
هذه النظرية التي جاءت من خلال تطوير “ويليام أوشي” لأعمال “ماك غريغور” من خلال تحليل نمط الإدارة وتطبيقاتها المتعددة خاصة بما له من العلاقة بمتغير الدافعية والفعالية، فقد افترض أوشي أن النمط الياباني لمتغيري الدافعية والفعالية يمكن أن يضيف للمنظمة أكثر مما تطرق اليه ماك غريغور في اعماله خاصة ما يتعلق بمطلب ربط وتوحيد الأهداف المشتركة بين العاملين والمنظمة ويراه بأنه مطلب مثالي. ويقول بأن “المنظمة في نظرية z اليابانية لا تعتمد كليا على عنصر الإتفاق في الهدف لضمان تحقيق النظام والوفاء في العمل وتعتمد كبديل لذلك على وسائل رمزية لتشجيع سلوكيات المساواة، ومشاعر الثقة المتبادلة(عبد المعطي، 2012، ص195).
وبعد قيام “ويليام أوشي” بتحليل الثقافة التنظيمية لثلاثة أنواع من المؤسسات: الشركة الأمريكية النمطية، الشركات اليابانية النمطية، والشركات الأمريكية المطبقة من نمط(Z) توصل الى التالي:
الجدول رقم(01) يوضح: لمخرجات تحليل الثقافة التنظيمية لـ”ويليام أوشي”.
بعد الثقافة التنظيمية | المؤسسات الأمريكية واليابانية من النمط z | المؤسسات النمطية الأمريكية |
الإحتفاظ بالموظفين | لا تقوم بتسريحهم الا في الضرورة | تسرح مديريها وموظفيها في عديد الحالات |
الترقية | تتم على نحو بطيء نسبيا وهذا يعود الى الوقت المستغرق الطويل جدا في عملية تقييم الآداء كما أنه يتطلب معلومات كمية وكيفية. | يتم بسرعة ومن خلال وسائل كمية. |
المسار الوظيفي | واسع النطاق ويتضمن وظائف متنوعة | أكثر تحديدا |
الرقابة على العاملين | تتم عبر آليات غير رسمية كاتباع الثقافة السائدة في المؤسسة والتي تعتمد على القيم المشتركة والعادات | بسط السيطرة على العاملين من خلال تحديد مواصفات الوظائف وتفويض السلطة وتحديد السياسات والإجراءات الواجب اتباعها على الجميع. |
صنع القرار | يتم من خلال مجموعات العمل | يتم على نحو منفرد |
الحياة الشخصية للعاملين | يوجد إهتمام بالحياة الشخصية للعمال | لا يكترث بها والتركيز فقط يكون في مجال عملهم |
تحمل المسؤولية | الأفراد هنا يتحملون المسؤولية خصوصا في المؤسسات اليابانية حيث تكون المجموعة ككل مسئولة عن اتخاذ القرار الذي قامت باتخاذه من قبل | يتحمل الأفراد المسؤولية |
المصدر: (عبد المعطي، مرجع سبق ذكره، ص74-75).
هذا بالإضافة الى أن الإدارة بالمشاركــــــــة تعد واحدة من دعائم نظرية (z) بحيث تقترح النظرية على المؤسسات المجسدة لنموذجها في حال تميزت تلك المؤسسة بتعدد فرق العمل بمصاحبة ذلك بتعديد حلقات الجودة(Quality cyrcal) ويكون المدير فيها دوره تسهيلي فقط وتكون المسؤولية بشكل جماعي وان ينصب التركيز على انجاز الأنشطة من خلال تسليط الضوء على تكامل مهارات الافراد. كما ان نمط الاتصال السائد لابد أن يكون أفقيا من أسفل للأعلى وهذا ما أكدته أيضا النظرية في معالجتها لعديد القضايا ذات الصلة كالإهتمام بالعاملين من حيث الأمان الوظيفي، التأكيد على المسؤولية الإجتماعية في العمل والجودة، إضافة الى وجوب ايجاد سياسات واضحة فيما يتعلق بالتطور الوظيفي للعاملين والتحكم في المعلومات والإهتمام بالجانب الإنساني(محمد الفاتح، بشير، 2018، ص60).
وبالتالي فإن القصد من وراء هذه النظرية هو تعزيز احساس الملكية لأفراد المؤسسة باختلاف رتبهم الوظيفية وروح الإنتماء اليها، ما يؤدي لإخلاص أمثل لأهداف المنظمة وهو الأمر الذي يجعلهم مساهمين بشكل كبير في نجاح المنظمة. فتطوير احساس الملكية لدى الأفراد المنتمين للمؤسسة من متطلباته ان يشعر كل فرد بأنه جزء من تلك المؤسسة وانه جزء من العمل وطرف يحسب له في اتخاذ القرارات خصوصا تلك ذات الصلة بعمله(محمد، محمد هاني، زيد، 2015، ص68).
فإحساس الملكية له دور جد فعال في رفع مستوى الآداء وزيادة الإخلاص لأهداف المنظمة حيث يصبح كل عامل يشعر بأنه جزء من المنظمة.
Leave a Reply