تقديــــــــــم
تعد المفاوضة الجماعية الوسيلة التي دفعت العمال للتكتل، وتكوين نقابات لمواجهة الاستغلال الرأسمالي. وبابتداع العمال لهذا الأسلوب الخاص بالحوار الاجتماعي، قدموا أسلوبا جديدا في العمل الاجتماعي، فأصبحت المفاوضة الجماعية أنجع السبل وأكثر فاعلية لتنظيم علاقات العمـل. مـن خلال إبرام اتفاقيات عمل جماعية، باعتبار هذه الأخيرة وسيلة مثلى لحكم علاقات العمل.
وعليه، فإن اتفاقية العمل الجماعية أصبحت جزءا مهما من قانون العمل. إذ تمثل الوسيلة الرئيسية لتطويره وذلك بما تتضمنه من قواعد اتفاقية يتوصل إليها طرفا علاقة العمل. تنظم شروط العمل وظروفه وعلاقاته. هذه القواعد تحظى بانتشار واسع بين أوساط علاقات العمل، وتشكل الاتفاقية الجماعية أداة للحوار والتشاور بين أطراف الإنتاج ثمرة المفاوضة الجماعية، لقدرتها على تحقيق والوصول إلى ما يتفق والظروف الاقتصادية والطابع الخاص بكل مهنة. وما يحقق الملاءمة والتكيف مع التحولات والتغيرات التي يعرفها عالم الشغل.
ونظرا لأهمية اتفاقية العمل الجماعية، فإن المشرع الجزائري انطلاقا من قوانين الاصطلاحات الاقتصادية، صدرت عدة نصوص قانونية تتعلق بتنظيم عالم الشغل، ثم من خلالها اعتماد مبدأ التعاقد في علاقات العمل، وكذا اعتماد الاتفاقيات الجماعية للعمـل كإطار تنظيمـي جديد لعلاقات العمل.
1. تعريف اتفاقية العمل الجماعية
يعرف المشرع الجزائري اتفاقية العمل الجماعية بأنها « تـفـاق مـدون يتضمن مجموع شروط التشغيل والعمل فيما يخص فئة أو عدة فئات مهنية ويعرفها جانب من الفقه بأنها «التنظيم الجماعي أو المشترك لشروط العمل وظروفه بين التمثيل النقابي للعمال وصاحب أو أصحاب العمل بمـا يكفـل شروطًا أو مزايا أو ظروفًا أفضل »
كما يعرفها جانب آخر من الفقه بأنها تفاق مبرم بين صاحب العمل مجموعة أصحاب عمل وتنظيم نقابي أو مجموعة من التنظيمات النقابية الممثلة للعمال بهدف تحديد شروط العمل إلى جانب الضمانات الاجتماعي
2. خصائص اتفاقية العمل الجماعية
تتميز اتفاقية العمل الجماعية بخصائص تتمثل فيما يلي :
01/ تعدد أطرافها:
تبرم اتفاقية العمل الجماعية بين منظمة نقابية أو أكثر، وبين صاحب عمل أو أكثر أو منظمة ممثلة لأصحاب العمل. ويستفاد من ذلك أن تمثيل في هذه الاتفاقية يكون عن طريق نقابة أو أكثر من النقابات العمالية. أما جانب أصحاب العمل فلا يشترط توافر الصفة الجماعية فيه، إذ يمكن أن يقوم صاحب عمل واحد بإبرام اتفاقية العمل الجماعية مع نقابة عمالية. على أنه لا يوجد ما يمنع أن يتم إبرام هذه الاتفاقية بواسطة إحدى نقابات أصحاب العمل.
02/ الطبيعة التعاقدية لاتفاقية العمل الجماعية :
لإبرام اتفاقية عمل جماعية يجب توافق إرادة أطرافها، وهـم منظمـة نقابية أو نقابة عمالية من ناحية، وصاحب عمل أو منظمة تمثله من ناحية اخرى.
03/ موضوع اتفاقية العمل الجماعية:
إن موضوع اتفاقية العمل الجماعية هو تنظيم شــروط العمـل وظروفه بما يضمن للعمال مزايا أفضل، ويعني ذلك أن اتفاقية العمل الجماعية لا تنشئ علاقات عمل مثلما يحدث في عقد العمل الفردي الذي يحدد حقوق والتزامات كل طرف. ومن هنا يمكن أن يقال إن اتفاقية العمل الجماعية هـي دستور عقود العمل الفردية.
الطبيعة القانونية لاتفاقية العمل الجماعية
أثار ظهور نظام الاتفاقية الجماعية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إشكالية تحديد طبيعتها القانونية، مما أدى إلى تباين نظر الفقه المقارن بهذا الخصوص، فلجأ فقهاء القانون الخاص في تحديـدهـم للطبيعـة القانونيـة للاتفاقية الجماعية إلى مبادئ وأسس النظرية العامة في العقد، كما لجأ بعض فقهاء القانون العام إلى اعتبار الاتفاقية الجماعية ليست عقـداً على الوجه المعروف في القانون المدني، وإنما تعد في حقيقتها عمل لائحي أو تنظيمي حيث:
الطبيعة العقدية لاتفاقية العمل الجماعية
برزت اتفاقية العمل الجماعية كوسيلة لحكم علاقة العمل في أواخر القرن التاسع عشر في بعض الدول مثل فرنسا، حيث كانت السيادة للمذهب لفردي، وكذا احتكار مبدأ سلطان الإرادة لتنظيم العلاقات القانونية. وعلى الرغم من أن اتفاقية العمل الجماعية لا يتعلق موضوعها بتقديم خدمة لقـاء أجر، وإنما يضع مجموعة من القواعد التي تطبق على عقود العمل الفردية.
إلا أن الفقه كان ينظر إليها كعقد عادي يولد أثار عقدية باعتبار أن أسلوب إبرامها الذي لا يختلف فيه عن سائر العقود بصفة عامة، حيث أنها تقوم على الرضا والاتفاق بين طرفيها أو أطرافها ومن ثم تخضع لـذات القواعد التي تخضع لها سائر العقود. إلا أن هذه النظرية تعرضت للعديد من الانتقادات، حيث يستلزم مبدأ الأثر النسبي للعقد الآ تمتد أثاره لغير أطرافه، فكيف يمكن إذا تفسير التزام العمال بالاتفاقية التي أبرمتها النقابة ولم يكونوا طرفا فيها.
خاصة وأن بعض هؤلاء العمال قد ينضموا إلى النقابة بعد إبرامها لتلك الاتفاقية. ولقد حاول أنصار النظرية أن يلتمسوا تبريراً لهذا الوضع استنادا إلى أفكار أو نظريات قانونية عديدة منها فكرة النيابة – الوكالة – الفضالة ـ الاشتراط لمصلحة الغير.
02/ الطبيعة اللائحية لاتفاقية العمل الجماعية :
ذهب فريق آخر من الفقه إلى القول بأن اتفاقية العمل الجماعية ليست عقدا وفق ما هو معروف في القانون المدني، بل هو عمل لائحي أو تنظيمي يصدر عن إرادات خاصة في المهنة لا عن الإرادة التشريعية للجماعة.. فاتفاقية العمل الجماعية وفقا لهذا الاتجاه، لا تنشـئ مـراكـز قـانونيـة فردية. ولا يترتب على هذا العقد التزامات على أي من طرفيه، ولكنها تضــع قواعد عامة مجردة يتم من خلالها تنظيم مضمون عقود العمل الفردية، وينظر لها كأنها قانون لقطاع اقتصادي معين يتم تفسيرها مـن طـرف القضـاء باعتبارها تنظيم.
وإذا سلمنا بالطابع التنظيمي لاتفاقية العمل الجماعية، فإنهـا سـوف تتحول إلى قانون بالمعنى المادي لمصطلح القانون. ويعني هذا أن القواعد التي تنشأ عن هذا الاتفاق تستوفي كافة خصائص القاعدة القانونيـة مـن عمومية وتجريد وإلزام. لذلك لم يحض هذا الاتجاه بالتأييد الكامل من طرف الفقهاء، حيث أن مؤيدي الاتجاه القاتل بالطابع التنظيمي للاتفاقية الجماعية، قد جردوا هذه الاتفاقيـة مـن كـل صـفة عقدية، الأمر الذي يعد إنكاراً لحقائق ثابتة ومسلم بها.
في حين أ أن الاتفاقية الجماعية تتوافر على خصائص قانونية تجعلها تقترب من القاعدة التنظيمية، واحتوائها في ذات الوقت على صفات تجعلها تقترب مـن طبيعـة العقـود أيضًا.
3. أحكام اتفاقية العمل الجماعية (أو الشروط الشكلية والموضوعية)
تخضع الاتفاقية الجماعية كوسيلة لحكم وضبط علاقة العمل لتنظيم قانوني، تحاول من خلاله التشريعات المقارنة التوفيق بين مصالح كل من عنصري الإنتاج ( العمل ورأس المال .. ) ولا ينفي هذا التنظيم القـانـوني عـن الاتفاقية الجماعية، كونها تعد من حيث إبرامها مجرد تصرف قانوني يخضع للقواعد العامة التي تحكم انعقاد وصحة العقود. حيث
أولا: الشروط الموضوعية لاتفاقية العمل الجماعية:
تتفق التشريعات المقارنة ومعها تشريع العمل الجزائري علـى مجموعة من الشروط الموضوعية لصحة إبرام الاتفاقية الجماعية منها ما يخص الأطراف، ومنها ما يتعلق بمضمون الاتفاقية، وكذا بمدة الاتفاقية الجماعية.
01/ أطراف الاتفاقية الجماعية
حدد المشرع الجزائري بمقتضى تشريع العمل أطراف الاتفاقية الجماعية، وهم الهيئة المستخدمة أو مجموعة مستخدمين، أو منظمة أو عدة منظمات نقابية تمثيلية للمستخدمين من جهة، والممثلين النقابيين للعمال أو منظمة أو عدة منظمات نقابية تمثيلية للعمال من جهة أخرى.
بالنسبة للعمال:
يشترط المشرع الجزائري ضرورة توافر الصفة الجماعية بجانبهم حتى يتأتى لهم إبرام الاتفاقية الجماعية، أي ضرورة تمثيلهم من طرف منظمتهم النقابية إلى ما تتمتع به هذه الأخيرة من صفات الدوام والاستقرار، وكذا لمـا لهـا مـن سـلطـة علـى العمال المنضوين في عضويتها ولقدرتها على التفاوض مع صاحب العمل من موقع الند للند. الأمر الذي يخولها القدرة على فرض احترام القواعد الاتفاقية الناشئة عن الاتفاقية الجماعية .
بالنسبة لصاحب العمل:
فإنّ المشرع خـول لـه إمكانيـة إبـرام الاتفاقية الجماعية بنفسه، أو في إطار مجموعة من أصحاب العمل أو في إطار شخص معنوي من خلال منظمة أو أكثر من منظمات أصحاب العمل. وبذلك يتفق موقف المشرع الجزائري مع المشرع الفرنسي اللذان لم يستلزما ضرورة توافر الصفة الجماعية بجانب أصحاب العمل.
02/ موضوع اتفاقية العمل الجماعية
يقصد بموضوع اتفاقية العمل الجماعية شروط العمل وظروفه بـيـن صاحب العمل والعامل بما يضمن أفضل المزايا عما ينص عليه التشريع. وقد حدد المشرع الجزائري العناصر التي يجب على الاتفاقية الجماعية أن تعالجها.
وهي تتعلق أساسا بالتصنيف المهني وما يرتبط به مـن أجـور أساسية والتعويضات التكميلية. وتحـديـد مقاييس العمل بمـا فيهـا تـوزيــع العمل الأسبوعي، وتحديد الإجراءات المتبعة في حالة وقوع نزاع جماعي كما تضمن الاتفاقية الجماعية طريقة انتهائها.
فبالإضافة إلى العناصر المذكورة سلفا والتي يجب على لاتفاقية الجماعية معالجتها، هناك شروط يجب على الاتفاقية مراعاتهـا تتمثل في عدم مخالفة مضمونها للنظام العام أو ما من شأنه الإخلال بالأمن والإضرار بالمصلحة الاقتصادية.
ثانيا: الشروط الشكلية لاتفاقية العمل الجماعية
تحضى الاتفاقية الجماعية بوصفها أداة فعالة لتنظيم علاقة العمل، وكذا لتحقيق السلم الاجتماعي بأهمية خاصة. وتأكيداً لمضمون الاتفاقية الجماعية وكذا ذرعاً لما قد يثور بشأنها من منازعات، وإعلانًا لهذا المضمون للغير بغية تيسير انضمامهم إليه، استلزم المشرع الجزائري في المادة 114 من القانون رقم 90 – 11 ضرورة توافر ركن لكتابة لصحة إبرام الاتفاقية الجماعية، كما اشترط كذلك ضرورة إشهارها وهو الإجراء المنصوص عليه المادة 126 من نفس القانون.
1/ شرط الكتابة
إن الاتفاقية الجماعية بما يسبقها من نزاعات واختلافات في وجهات النظر بين صاحب العمل والعمال، وبما يكتنفها من مفاوضات، تكون مضنية وطويلة في غالب الأحيان، ولكونها تعد تبلور لاتفاق على الحلول المتوصل إليها، فإن كل هذا يجعل من الصعب تركها لمجرد التوافق الشفوي بل لابد من تحريرها كتابة. إن اشتراط الكتابة يرجع إلى أهمية الاتفاقية الجماعية وإلى اتساع نطاق سريانها.
فالكتابة ليست شرطا لإثباتها كما في عقود العمل الفردية، وإنما هي ركن فيها، ويترتب عن إغفالها بطلان الاتفاقية بطلانا مطلقا. إلى جانب ذلك فإن كان المشرع الجزائري اشترط الكتابة في الاتفاقية الجماعية، فإن المشرع الفرنسي ذهب ابعد باشتراطه أن تكون الاتفاقية الجماعية محررة باللغة الفرنسية.
2/ شرط الإشهار والإيداع:
إلى جانب شرط الكتابة، ألزمت المادة 119 من القانون 90 – 11 الهيئات المستخدمة إشهار الاتفاقيات الجماعية التي تكون طرفا فيها في أوساط جماعات العمال المعنيين، مع وضع نسخة منها دوما تحت تصرف العمال وفي موضع مميز في كل مكان عمل.
إلى جانب شرط الإشهار، هنالك إجراء آخر يتمثل في ضرورة إيداع الاتفاقية الجماعية قصد تسجيلها إلى مفتشية العمل وكتابة ضبط المحكمة المختصين إقليميا. واشتراط التسجيل يرجع إلى حرص المشرع ضمان عدم سريانها إلا إذا كانت مطابقة لتشريع العمل.
المراجع:
- معزيز عبد السلام (2018). الوجيز في قانون العمل، د.ط، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع_الجزائر(ص07-127).
- زنقيلة سلطان (2021). الاضراب في الجزائر”دراسة قانونية”، مجلة القانون و التنمية المحلية، مجلد(03)، عدد(02)، الجزائر ص(139 – 160).
- كمال مخلوف (2011). الاطار التنظيمي لإتفاقية العمل الجماعية في التشريع الجزائري، مجلة معارف، مجلد (03) عدد (04) ص(119- 136).
Leave a Reply